responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 406
لَهَثَ، لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْقَبِيحَ طَبِيعَةٌ أَصْلِيَّةٌ لَهُ، فَكَذَلِكَ هَذَا الْحَرِيصُ الضَّالُّ إِنْ وَعَظْتَهُ فَهُوَ ضَالٌّ، وَإِنْ لَمْ تَعِظْهُ فَهُوَ ضال لأجل أن ذلك الضلال والخسارة عادة أصلية وطبيعة ذَاتِيَّةٌ لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا مَحَلُّ قَوْلِهِ: إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ.
قُلْنَا: النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، كَأَنَّهُ قِيلَ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ذَلِيلًا لَاهِثًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَعَمَّ بِهَذَا التَّمْثِيلِ جَمِيعَ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ هَادِيًا يَهْدِيهِمْ وَدَاعِيًا يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّه، ثُمَّ جَاءَهُمْ مَنْ لَا يَشُكُّونَ فِي صِدْقِهِ وَدِيَانَتِهِ فَكَذَّبُوهُ، فَحَصَلَ التَّمْثِيلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَلْبِ الَّذِي إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا لَمَّا تُرِكُوا وَلَمْ يَهْتَدُوا لَمَّا جَاءَهُمُ الرَّسُولُ فَبَقُوا عَلَى الضَّلَالِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ مِثْلَ هَذَا الْكَلْبِ الَّذِي بَقِيَ عَلَى اللَّهْثِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ.
ثُمَّ قَالَ: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ يُرِيدُ قَصَصَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا أَنْبِيَاءَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ يُرِيدُ يتعظون.

[سورة الأعراف (7) : آية 177]
ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (177)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ بَعْدَ تَمْثِيلِهِمْ بِالْكَلْبِ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَزَجَرَ بِذَلِكَ عَنِ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ أَكَّدَهُ فِي بَابِ الزَّجْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ساءَ مَثَلًا وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ اللَّيْثُ: ساء يسوء فعل لازم ومتعد يقال: ساءت الشيء يسوء فهو سيء إِذَا قَبُحَ وَسَاءَهُ يَسُوءُهُ مَسَاءَةً. قَالَ النَّحْوِيُّونَ: تَقْدِيرُهُ سَاءَ مَثَلًا، مَثَلُ الْقَوْمِ انْتَصَبَ مَثَلًا عَلَى التَّمْيِيزِ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ سَاءَ جَازَ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا آخَرَ سِوَى مَثَلًا، فَلَمَّا ذَكَرْتَ نَوْعًا، فَقَدْ مَيَّزْتَهُ مِنْ سَائِرِ/ الْأَنْوَاعِ وَقَوْلُكَ الْقَوْمُ ارْتِفَاعُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً وَيَكُونُ قَوْلُكَ سَاءَ مَثَلًا خَبَرُهُ وَالثَّانِي: أَنَّكَ لَمَّا قُلْتَ سَاءَ مَثَلًا. قِيلَ لَكَ: مَنْ هُوَ؟ قُلْتَ الْقَوْمُ، فَيَكُونُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ: سَاءَ مَثَلُ الْقَوْمِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: ساءَ مَثَلًا يَقْتَضِي كَوْنَ ذَلِكَ الْمَثَلِ مَوْصُوفًا بِالسُّوءِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِأَنَّ هَذَا الْمَثَلَ ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى، فَكَيْفَ يَكُونُ مَوْصُوفًا بِالسُّوءِ، وَأَيْضًا فَهُوَ يُفِيدُ الزَّجْرَ عَنِ الْكُفْرِ وَالدَّعْوَةَ إِلَى الْإِيمَانِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَوْصُوفًا بِالسُّوءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ بِالسُّوءِ مَا أَفَادَهُ الْمَثَلُ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّه تَعَالَى وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْهَا، حَتَّى صَارُوا فِي التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ اللَّاهِثِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: كَذَّبُوا فَيَدْخُلَ حِينَئِذٍ فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ بِمَعْنَى الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ التَّكْذِيبِ بِآيَاتِ اللَّه وَظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُنْقَطِعًا عَنِ الصِّلَةِ بِمَعْنَى وَمَا ظَلَمُوا إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ، فَهُوَ لِلِاخْتِصَاصِ كَأَنَّهُ قِيلَ وَخَصُّوا أَنْفُسَهُمْ بِالظُّلْمِ وَمَا تَعَدَّى أَثَرُ ذَلِكَ الظُّلْمِ عنهم إلى غيرهم.

[سورة الأعراف (7) : آية 178]
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (178)

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 406
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست